العنف في الملاعب المغربية يثير المزيد من الجدل
أعادت أحداث العنف في الملاعب الرياضية التي وقعت في الاونة الاخيرة طرح موضوع العنف في المجتمع المغربي والملاعب بصفة خاصة إلى الواجهة بين من يرى فيها ظاهرة معزولة ومحدودة في الزمان والمكان وبين من يدق ناقوس الخطر لاحتوائها قبل أن تستفحل.واصيب 24 شخصا بجروح متفاوتة الخطورة وقتل شخص واحد في احداث عنف وقعت خلال مباراة قمة الدار البيضاء بين فريقي الرجاء والوداد في أواخر تشرين الأول / اكتوبر الماضي في بطولة كأس العرش المغربي.كما قدر المسؤولون الخسائر بملايين الدراهم وتمثلت في تكسير الحافلات وكراسي الملعب وبعض مرافقه الحيوية.
واتخذ الاتحاد المغربي لكرة القدم بالتعاون مع السلطات تدابير اعتبرت موقتة لاحتواء ظاهرة الشغب في الملاعب من بينها منع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما من دخول الملاعب دون مرافقة أولياء أمورهم و "فتح ملف خاص" لكل من يثبت تورطه في أعمال الشغب وتعليق صوره في دوائر الأمن والصحف.
من مظاهر العنف الجماهيري في الدوري المغربي
كما عاقبت الجامعة فريقي الرجاء والوداد بلعب مباراتين من دون جمهور وبعيدا عن ملعب محمد الخامس في الدار البيضاء.
وتأسست في العام الماضي "لجنة مكافحة الشغب" التابعة للمجموعة المغربية لكرة القدم إثر تصاعد أحداث العنف في عدد من الملاعب الرياضية المغربية.
وقال محمد الجرتيلي نائب رئيس المجموعة المغربية لكرة القدم التي تشرف على تسيير الدوري الممتاز المحلي ورئيس لجنة مكافحة الشغب لرويترز "لا يمكن أن نقول ان الجمهور المغربي جمهور مشاغب لان الشغب يوجد في بعض الملاعب المغربية ولا يمكن أن نعمم."
وأضاف "الشغب في المغرب ليس مثل الشغب في اوروبا لان الشغب في اوروبا منظم وله أهداف أما الشغب في المغرب فهو وقتي ومرتبط ببعض السلوكيات والظروف."
واعتبر عدد من المحللين الرياضيين ان من بين أسباب الشغب في الملاعب نقص التجهيزات الرياضية وعدم تأهيلها لاستقبال الجمهور بالاضافة إلى المشاكل الاجتماعية التي تعيشها فئة كبيرة من الشباب المغربي على اعتبار أن الاغلبية ممن يرتادون الملاعب هم من الشبان والمراهقين.
ومن بين المشاكل بالاساس تجاوز أعداد الجماهير الوافدة على الملاعب لطاقتها الاستيعابية.
ويتفق الجرتيلي مع هذا الطرح ويرجع "أهم الاسباب وأم المشاكل للمنشات الرياضية."
وقال "انها غير مؤهلة لاستقبال متفرجين يأتون في الغالب من التاسعة صباحا إلى الثامنة مساء لحجز مقعد ولا يجدون طوال هذه الفترة الزمينة التجهيزات اللازمة لقضاء حاجاتهم مثل مطاعم أو مقاه أو مراحيض كافية."
واضاف "ملعب مثل ملعب محمد الخامس له طاقة استيعابية لا تتجاوز 60 ألف متفرج لكنه يستقبل في المباريات المهمة أكثر من 90 ألفا."
ويرى عمران عبد الرحيم أستاذ علم النفس الاجتماعي في كلية ظهر المهراز في فاس أن "العنف في المغرب ظاهرة معقدة ولها عدة مستويات وعدة مظاهر وأصبحت تثير الاهتمام خاصة داخل الملاعب الرياضية."
وقال "الأساس هو تحولها إلى ظاهرة اجتماعية قد تنتقل من حادث على الهامش إلى ظاهرة مجتمعية منظمة ومفكر فيها.. أي تحول هذه المشاعر العدوانية إلى ثقافة وعقلية تعمل على تكريس ايديولوجية العنف والكراهية."
ولا يغفل عبد الرحيم الوضع الاجتماعي لهؤلاء "المشاغبين" فجلهم من " الشبان والمراهقين الذين ينحدرون من أوساط وفئات اقتصادية واجتماعية تعاني عدة أشكال من الاقصاء والتهميش."
ويعيش نحو 14 بالمئة من سكان المغرب البالغ عددهم 30 مليون نسمة حسب اخر احصاء لسنة 2004 تحت خط الفقر.
وبعد سرد مجموعة من مظاهر التهميش لهؤلاء المشاغبين والمعاناة على مستوى السكن والتعليم والتغذية والملبس يؤكد عمران أن الاشارة إلى هذه العوامل "ليس للتبرير وانما نستحضر مجموعة من العوامل غير الايجابية التي تولد مشاعر الاحباط وعدم الرضا والرغبة في إثباث الذات الجماعية والهوية ومن هنا نسج هذه الجماعة لقيم وثقافة مضادة لثقافة السلم الاجتماعي والاندماج الشخصي."
وتجتمع اراء المحللين الرياضيين والاجتماعيين في بعض النقاط من بينها تدهور الوضع الاجتماعي لفئات كبيرة من الجمهور المكون من الشبان والمراهقين لكن الاقتراحات لتفادي تطور مشكلة الشغب داخل الملاعب الرياضية تبقى مفتوحة.
وبالاضافة إلى بعض الاقتراحات التي سبق وأعلن عنها مسؤولون مغاربة للحد من العنف مثل بناء ملاعب خارج المدن الكبرى للتحكم في مثيري الشغب يقول الجرتيلي إن "على الدولة أن تتعامل مع قطاع الرياضة بعقلية استثمارية.. الرياضة وحدها كافية لامتصاص ما يقارب النصف من نسبة البطالة في أوساط الشباب وبالاضافة إلى أنها مورد رزق فهي مورد للعملة الصعبة."
ويضيف أن اللاعب المغربي المحترف في اوروبا نور الدين النيبت "كان يدخل إلى المغرب من العملة الصعبة لوحده ما تدره الجالية المغربية الموجودة في بلجيكا."
لكن عمران يرى أن الحل يكمن "في توفير مشاعر الاندماج الجماعي والهوية الفردية والجماعية وثقافة المواطنة لان شروط انتقال هذه الظاهرة من ظاهرة الهامش إلى ظاهرة مجتمعية منظمة وسائدة ستتقلص إلى حد كبير."
حمزة جودراني